إعادة التدوير

في عالم يتطوّر بسرعة الضوء على جميع الأصعدة، الاقتصادية، السياسية والتكنولوجية، أصبح من الضَرُورِيّ جدًّا لكل شخص يعتبر نفسه مواطن الألفية الثالثة أن يُدرك دوره الحاسم في الحفاظ على بيئته والمحيط الطبيعي حوله من خلال إعادة التدوير للأشياء.

يبدو أنه أمر صعب للغاية بالنسبة للبعض أخد هذا الموضوع بجدية خاصة في الدول النامية في منطقتنا العربية حيث يغوص الفرد في مشاكل الحياة وتحديات العيش اللانهائية التي تجعل من فكرة تبنّي سلوكات معينة قد تبدو مُعقّدة التنفيذ أحياناً آخر شيء يمكن التفكير فيه وأخذه بعين الاعتبار بشكل يومي، لأن ذلك ببساطة يُخالف النمط وكل ما هو مُعتاد.

فليس هناك مُقابل سريع مُتَوَفّر وراء الحَجْم عن اقتناء حاجيات جديدة واستصلاح أخرى من أجل إعادة استعمالها. المُقابل الذي أتحدّث عنه في هذه الحالة هو نفسي بالدرجة الأولى وهو الشيء الذي تغذّت عليه نزعة الاستهلاكية المفرطة والرغبة في امتلاك وتكديس المزيد، والارتباط عاطفياً بأغراض ليس لها قيمة في أغلب الأحيان.

الاستمرار في عدم الاكتراث يُهدّد حياتنا

حين نعتقد أن القيام بمبادرات فردية لها علاقة بالحفاظ على البيئة أمر ترفيهي يقوم به فقط الأشخاص الذين تخلو حياتهم من المشاكل فهذا أمر ساذج بعض الشيء، لأن إعادة التدوير فعل رافق البشرية منذ البداية ولطالما انطلق من فئات المجتمع ذات الامتيازات الأقل.

فالحاجة أم الاختراع، أمور بسيطة قد نقوم بها دون إدراك واع قد تكون هي جوهر هذا المفهوم، على سبيل المثال؛ إعطاء ملابس الأخ الأكبر لإخوته الصغار أو تقديم أواني منزلية مُستعملة لأحد الأقارب أو الجيران الأكثر حاجة لها.

ولكن الانسحاب من تبنّي فلسفة كهذه في حياتنا والاستمرار في الشعور بأن هذا لا يعنينا بتاتاً أو ربما سوف نقوم به لاحقاً من شأنه التأثير بشكل سلبي مُباشر على المحيط الذي نعيش فيه وغير مباشر على الكوكب الأزرق الذي يحمل ثروات لا حدود لها من التنوّع البيولوجي والإيكولوجي الذي يشكّل منبع الحياة القائم على الأرض منذ ملايين السنين.

لَكِنّ جهل الإنسان ببيئته وعدم استيعابه لحاجة هذه الأنظمة الطبيعية إلى التفاعل مع بعضها البعض بطريقة معينة وتدخلاته البشعة والعنيفة النابعة من الطمع والجشع والرغبة في التحكّم يُهدّد فعلياً حياتنا الآن وحياة أولادنا والأجيال القادمة من بعدنا.

تعريف إعادة التدوير

يتمحور تعريف إعادة التدوير حول فكرة فصل وجمع وإعادة تصنيع أو تحويل المواد المستخدمة أو النفايات في المنتجات الجديدة، وهي عملية تنطوي على سلسلة من الخطوات لبلوغ النتيجة المُبتغاة.

يعتقد الكثيرون أن تعريف إعادة التدوير هو وليد العصر الحديث بسبب تبعات الحقبة الصناعية وظاهرة الإنتاج المكثّف والاستهلاك المُفرط، قد يكون من المثير للاستغراب معرفة ما يقوله بعض علماء البيئة عن كون الديناصورات من أوائل المساهمين في ظاهرة إعادة تدوير طبيعية من خلال عملية التحلّل التي ساهمت في إنتاج الزيوت والغازات التي تدخل في تكوين طبقات الأرض الى يومنا هذا.

سواء كان ذلك صحيحا أم لا، حاجة الإنسان إلى إصلاح أو استصلاح أغراضه بهدف إعادة استعمالها امتدّ على مر العصور، ولم يكن اختراعًا او اكتشافًا على يد شخص أو مجموعة معينة من الناس.

اقرأ أيضًا:

أفكار جميلة ومفيدة لإعادة تدوير الورق الزائد عن حاجتك في المنزل

15 طريقة مبتكرة لإعادة استخدام الزجاجات البلاستيك المهملة

التسلسل الزمني في ظاهرة إعادة التدوير

إعادة التدوير أثناء الحرب العالمية الثانية

أول حالة إعادة تدوير أرّخ لها التاريخ تعود إلى الحضارة اليابانية القديمة وتخص إعادة استخدام النفايات الورقية من أجل الحفاظ على المواد وزيادة الإنتاج وجاء ذلك نتيجة تقهقر الاقتصاد بعد تدهور الحكم الإمبراطوري.

غير أن تدوير الورق لم يُعرف بشكل أكبر إلا في سنة 1690 عندما قام مصنع بفيلادلفيا في الولايات المتحدة الأمريكية باستعمال الأقمشة القديمة والملابس من القطن والكتان لإنتاج الورق الذي سيتم استخدامه للطباعة والنشر.

نتج عن الحرب العالمية الأولى والثانية مقاربة مبتكرة لإدارة الموارد التي عرفت انخفاضاً شديداً، حيث قامت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بطلب مساعدة عموم الشعب.

دفعت عمليات إعادة التدوير الدعائية (“إنقاذ من أجل النصر” في الولايات المتحدة، 1942) الناس إلى أن يكونوا أكثر ذكاءً بشأن ما يُلقون به في القمامة وتعلمّوا كيفية العزل بين أنواع النفايات.

على سبيل المثال، صدرت تعليمات إلى الأشخاص بنقل دهون الطهي إلى تجار اللحوم المحليين، بحيث يمكن إعادة تدويرها كوقود للمتفجرات.

في عام 2003 بإنجلترا تمت الموافقة على تشريع يخصّ إعادة التدوير، فأصبح من واجب السلطات المحلية تزويد كل أسرة بمجموعة من نوعين على الأقل من المواد القابلة لإعادة التدوير.

أما بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 2006، أصبحت شركة تصنيع الكمبيوتر Dell أول شركة توفر إعادة التدوير المجانية لمنتجاتها، شركات تصنيع أخرى، بما في ذلك Sony وApple، اتبعت خطاها منذ ذلك الحين.

وفي محاولة للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية في جميع أنحاء البلاد، تم فرض رسوم خمسة بنسات في جميع أنحاء المتاجر في إنجلترا سنة 2015 على أي شخص يريد استعمال هاته الأكياس. فكانت النتيجة أن انخفض استخدامها بحوالي 80٪.

بعض الحقائق المُخيفة عن أوضاع التلوث البيئي الناتج عن تراكم النفايات وعدم إعادة التدوير

بلغة الإحصاءات، يفقد كوكبنا كلّ ثانية مقدار فَدّان واحد من الغابة الاستوائية نتيجة الكميّات المُهولة للورق، الخشب والأقلام التي نستخدمها ونتخلّص منها دون إيجاد طريقة مُلائمة لإعادة استعمالها، جاهلين بأن استمرار الطلب على هذه المُنتجات يعني أيضاً المزيد من عمليات قطع الأشجار والتعدين واستعمال السيارات والآلات من الحجم الثقيل، مما يزيد من الأضرار والتدهور الذي يطال صحة الأرض كل يوم.

كلنا يعرف أن البلاستيك هو مادة أصبحت تشكل خطراً كبيراً على صحتنا لأنها تدخل في تكوين القسم الأكبر من التعليب والتَعْبِئَة وكذلك في مُقَوّمات بعض المنتوجات الغذائية المُصنعة، ولكن مشكلة هذه المادة تتجاوز تأثيراتها السلبية المباشرة على الصحة العضوية للإنسان، لأنها طويلة الأمد وصعبة التحلّل بيولوجياً، وتكاليف تدويرها باهظة.

ومن جهة أخرى، تشير الإحصائيات إلى أن ملايين الأطنان من بقايا الطعام الصالح للأكل تُرمى سنوياً، بينما 1 من 7 أشخاص في العالم لا يجد ما يقتات عليه، و40٪ من الخضروات والفواكه لا تصل إلى رفوف محلات السوبر ماركت لأنها لا تحترم المعايير الجمالية التي يبحث عنها المستهلك، حبة بطاطس مُتكتلة الشكل أو جزرة مُعْوَجَّةٌ يكون مصيرها التعفّن في مكب القمامة.

أما عدد الحفاضات التي يتخلص منها كل طفل قد تُعادل نفس وزن سيارة عائلية! هذا المُعطى الخطير دفع العديد من مُناصري البيئة إلى الدعوة إلى العودة إلى الحفاضات القابلة لإعادة الاستخدام، وذهب البعض منهم إلى أن الطريقة الأكثر فعالية وربما الأكثر إثارة للجدل للأفراد للمساهمة في خفض كميّات النفايات هي إنجاب عدد أقل من الأطفال. حيث كشفت الدراسات أن أي شخص يقرر إنجاب طفل واحد على الأقل في دولة متقدمة، سيوفر على كوكب الأرض عشرات الأطنان من القمامة!

اقرأ أيضًا:

كيفية صنع مقلمة جميلة من زجاجة بلاستيكية فارغة بدلًا من رميها

اجعلي طفلك يصنع بطاقة معايدة عيد الحب على شكل كف رقيق ويهديها لأحبائه

الأهمية الكبرى وفوائد إعادة التدوير

الحقائق التي تمّت الإشارة لها تمثّل غيضًا من فيض لأن حجم الكوارث البيئية التي تسبب بها بني الإنسان تفوق الخيال فعلًا!

وإن كان هناك شيء يمكن أن يساعدنا على البدء بتحمل المسؤولية اتجاه ما صنعته أيدينا فسيكون القيام بعمليات إعادة التدوير واعتمادها كجزء من أسلوب الحياة الذي نختاره لأنفسنا، لأنه يساهم إلى حد كبير جداً في مشكل الاحتباس الحراري عن طريق المساعدة في الحد من كمية الغازات التي يتم إنتاجها كل يوم.

فقد أثبتت دراسة شملت 35,116 طنًا من المواد التي تمّ إعادة تدويرها أن نسبة خفض انبعاثات الغاز الأخضر عادلت إخراج 22,140 سيارة من الطريق.

الأسباب الكبرى الأخرى التي تتجلى من خلالها أهمية إعادة التدوير تكمن في النقاط الأساسية الآتي ذكرها والتي ينبغي على كل فرد منا استيعابها جيداً:

  • إعادة تدوير المنتجات المختلفة التي جاءت من مواردنا الطبيعية على سبيل المثال، الورق، سيمكننا من المساعدة في التقليل من عدد الأشجار التي يتّم قطعها. نفس الأمر يمكنه المساهمة في الحفاظ على الطاقة التي يتم هدرها لمعالجة المواد الخام التي تتطلب طاقات كبيرة لنقلها من مصدرها. توفير الطاقة له أيضا فوائده كالتقليل من التلوث مما يخلق ضغط أقل على صحتنا والاقتصاد.
  • تتكون مدافن النفايات في الغالب من مواد غير قابلة للتحلل أو تلك التي تستغرق وقتًا طويلًا لذلك، بواسطة إعادة تدويرها، يمكننا تقليل كمية النفايات التي ننتجها يومياً وبالتالي المساهمة في الحفاظ على البيئة وتحقيق أقصى استفادة من جميع المواد التي كنا نتخلص منها على أساس أنها مجرد قاذُورات.
  • إعادة التدوير توفر طرق حقيقية وعملية لتوفير بعض المال، يمكن بيع المواد المُعاد تدويرها إلى الشركات المستعدة لشرائها، إصلاح الأغراض المزمع التخلص منها وإعادة استعمالها عوض التهافت الدائم لإنفاق النقود لشراء كل ما هو جديد. أما بالنسبة لأصحاب المشاريع والتجار فإنّه يعد استثمارا ذكيا على المدى البعيد لأنه يُخفض من تكاليف التصنيع كما يوفر فرص شغل أكثر.

أمور بسيطة بدايتك نحو بدائل مُستدامة

بدائل مستدامة

رغم وعي الكثير من المستهلكين بأهمية إعادة التدوير ودوره الفاصل في الإبقاء على الحياة لكل المخلوقات على وجه المعمورة، إلاّ أن أغلبهم لا يعرف كيف يمكنه تطبيق ذلك في حياته دون تعقيدات.

هناك ومن دون مبالغة مئات الأفكار والاقتراحات لتحقيق هذا الهدف سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد، أمور بسيطة جداً ستمكننا من اللحق بركب المدافعين عن هذه الأرض وكل من عليها، فالاحتفاظ مثلاً بقشر البيض، قشور الفاكهة والخضروات المبشورة يمكن أن يُستعمل في تسميد النباتات المنزلية دون الحاجة إلى اقتناء سماد مصنع.

إحداث نوع من الفنون الإبداعية من القمامة هو فكرة مثيرة للاهتمام وأضحت مشهورة في السنوات الأخيرة في أوساط بعض الفنانين والمُبدعين الشباب، وكمثال على ذلك إنشاء منحوتات مجردة من العلب أو الرقائق المعدنية.

كما يمكن إدماج هذه الفكرة في ورشات الأطفال داخل المدارس والمؤسسات التعليمية من أجل تعليم أجيال الغد كيفية استغلال مواردهم الطبيعية بشكل مُستدام يقدّم متعة حسية تُهذّب الذوق الخاص وتفجر طاقاتهم الإبداعية.

كما أن جميع الحاجيات المنزلية من السهل جدّا إعادة استعمالها لأغراض التزيين والديكور، والأجمل في كل هذا أنه يمكن إشراك الأطفال وأبناء الجيران في ورشات أسبوعية وتشجيعهم على إطلاق العنان لملكاتهم الفنية. العديد من الأفكار المُبدعة والمبتكرة في إعادة التدوير تجدونها دائماً على موقعنا.

حين تكون القضية واضحة، تتيسّر السبل دائماً لإنجاحها، قد تَتنوّع الطُرق والوسائل لكن الهدف النبيل واحد؛ حماية حضارتنا وإرثنا البشري.

زهرة غماني

كاتبة ومدونة ومسؤولة قسم دوَّرها في موقع Fixaha.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *