اعادة تدوير الملابس

تعرف عملية اعادة تدوير الملابس اهتمامًا مُتزايد نتيجة الصحوة البيئية. حيث أصبح العديد من الأشخاص أكثر وعيا من أي وقت مضى بالأشياء التي يمتلكونها، والدور الحقيقي الذي تلعبه هذه المُمْتَلَكات في حياتهم، بل يذهبون إلى أبعد من هذا بكثير؛ ما هي تأثيراتها المُحتملة في البيئة والمناخ على المدى الطويل؟!

التعطش لامتلاك المزيد له تأثيرات مباشرة على البيئة والمناخ

فالتغيّر المناخي هو من أهم إن لم يكن الأول في قائمة التحديّات التي تواجهها البشرية حاليًا. ومهما تظاهرنا بأن هذا الموضوع مُبالغ فيه أو أعطي أكبر من حجمه لن يجعل مظاهره الجليّة في كل مكان تختفي لأنه حقيقة تَكهّن العلماء حدوثها بعد عقود من الآن ولكنها أضحت واقعًا لم يعد يحتمل أن نستمر في تجاهله. الحكومات، الصناعات والمجتمع العلمي كلهم بدون استثناء يُدركون هذه الحقائق.

مع التقدم التكنولوجي والازدهار الصناعي ازدادت رغبة الإنسان المتمدن في امتلاك الأفضل، الأكبر والأجمل… هذا التعطش للمزيد في كل شيء أزاح البساطة والإدراك الحقيقي لجوهر وقيمة الأشياء من حولنا.

اشتهاء الأكثر والأوفر يُخفي وراءه فراغات في كينونة الإنسان المُعاصر الذي مع كل ما بَلغه من التطوّر البيولوجي والنمو في الذكاء والمهارات الاجتماعية والذوق العام إلاّ أنه انفصل تدريجيا عن إنسانيته وأحيان كثيرة ضيّع حتّى المنطق في عقله. وما يحدث كل سنة في مناسبة الجمعة السوداء خير مثال على ذلك.

صحتك النفسية تلعب دورا حَيَوِيا في ميولاتك الاستهلاكية

يتّسم النمط الاستهلاكي بكونه يوفر للمستهلك من الطبقة المتوسطة والميسورة مجموعة اختيارات من السلع بأثمنة مناسبة تُتيح له أسلوب حياة مريح بوجود الضروريات والكماليات أيضًا وهذا قد يكون الدافع الأساسي في الرغبة لتحسين الوضع الاجتماعي للشخص من خلال العمل الجاد حتى يتسنى له بلوغ مستوى معيشي بهذا الشكل.

نحن لا نتحدث عن أصحاب الملايين الذين ليس لديهم ما يفعلونه سوى التسوّق طوال اليوم بل عن أشخاص عاديين بموارد مالية محدودة يُهيمن عليهم ذاك الجوع لامتلاك آخر وكل ما يوجد في السوق، سواء كان ضروريا وذو قيمة مضافة أم فقط لملأ فراغ روحي وتلبية حاجة عاطفية.

وكلنا نعرف أن اللجوء للتسوق كوسيلة علاجية أو نوع من الهروب من مواجهة موقف أو ألم معين هو أسوأ ما يمكن أن نقوم به لأن العقل والمنطق في تدبير شؤوننا المالية يغيب تماما فنبقى رهائن لتقلبات حالتنا العاطفية والمزاجية.

وبخلاف ما هو مُشاع أن السيدات لديهن ميول أكثر للتسوق باعتبارهن مخلوقات هرمونية تغلب عليها العاطفة في التعامل مع الأمور، الرجال أيضا قد يقعون فريسة سهلة لهذه النزعة وأي نمط استهلاكي متطرف بصفة عامة.

المنتوجات الغذائية، الأغراض المنزلية أو الهواتف الذكية…تُعد الملابس من بين أكثر الحاجيات التي ننفق على اقتنائها مبالغ طائلة، فالأسرة الأمريكية العادية تنفق ما يقارب1700 دولار على الملابس سنويًا، وفقًا لمكتب إحصاءات الشغل.

أما المستهلكين العرب في دول الشرق الأوسط فقد أفادت الإحصائيات أنهم أنفقوا 320 مليار دولار على الأزياء الفاخرة في عام 2016 فقط!

الملابس…ما الذي يجعلك ترغب في المزيد منها؟

اعادة تدوير الملابس

نقف في كثير من الأحيان في ذهول أمام كميات الملابس التي لم تعد مناسبة، مللنا منها أو أ خذت بالفعل نصيبها من الارتداء والتمزق. التخلص من الملابس أمر شديد السهولة، ولكن هل نقضي نفس الوقت والمجهود الذي نقضيه في التسوق، انتقاء وشراء الثياب في التفكير في مآلها بعد أن ننتهي من استعمالها؟

هل يستفيد منها أشخاص آخرون؟ هل تلتحق بمكبات القمامة كغيرها من النفايات التي نتخلص منها كل يوم؟!

طبعا لا نأخذ مهلة للتفكير في شيء كهذا! وإنه لأمر مؤسف أن تتملكنا نزعة الاستهلاكية بلا حدود فننقاد وراء كل رغبة جامحة وغير مبررة لامتلاك المزيد من قطع الثياب والاحتفاظ بها والتباهي بوجودها في خزانتنا!

سواء كنت تعتبر نفسك مدمن على اقتناء الملابس أم لا، فإن شراء المزيد منها يمكن أن يكون نوعًا من الإدمان بحد ذاته. لا يتعلق الأمر فقط بملء خزانة ملابسك، ولكن قد يشير في بعض الأحيان إلى أنك تحاول ملء بعض الفراغات في روحك.

اقرأ أيضًا:

إعادة التدوير: تكنولوجيا المستقبل التي تراهن عليها البشرية

هذه الأسباب قد تكون الدافع الأساسي وراء رغبتك بشراء المزيد من الألبسة

هناك عدة أسباب محتملة وراء رغبة الشخص دائمًا في الحصول على ملابس جديدة:

  1. محاولة مواكبة جديد الموضة والترندات والبحث المستمر عن آخر التحديثات والمجموعات الجديدة من الملابس العصرية طوال الوقت. تخترع العديد من العلامات التجارية الترندات الخاصة بها، أضِفْ إلى ذَلِكَ ما تفعله حملات التسويق التي لا تنفك عن إغراق المستهلكين بشتّى أنواع الإغراءات. لذا فمن الأفضل أن تكون انتقائيا وتُقاوم إغراء بعض النقرات الجذابة المعدلة خصيصا لطبيعة شخصيتك، ركّز على الحصول على ملابس تناسب احتياجاتك فقط.
  2. قد يحدث أن تشعر بالضيق والملل من بعض جوانب الحياة أحيانا فلا يكون يومك ممتعًا بدرجة كافية. لذلك تجد في التحقق من أحدث صيحات الملابس مصدرًا للترفيه والترويح عن نفسك، مع الوقت ستصبح هذه العادة هواية باهظة الثمن. لذا قد ترغب في تجربة بعض الأنشطة الترفيهية الأخرى أيضًا التي يمكن أن تكتشف أنها أكثر إرضاءًا وتجعلك تشعر أنك على قيد الحياة أكثر من شراء ملابس لا تحبها ولا تحتاجها فعلا.
  3. قد ترغب في أن تكون الشخص الأكثر جاذبية وأناقة في الغرفة، بغض النظر عن المكان الذي تذهب إليه، أنت على استعداد للتضحية بميزانيتك للحصول على ذلك. لا عيب في هذا الأمر، تأكد فقط من الحفاظ على الموقف تحت السيطرة من أجل تجنب الدخول في الديون بسبب اكتراثك المفرط في رأي الآخرين عنك، ما يهم هو شعورك بالرضا عن نفسك مهما كانت قيمة ما ترتديه.
  4. في بعض الأحيان، لا يتعلق الأمر بشراء الملابس نفسها. قد يشير هذا البحث اللامتناهي عن أفضل الملابس إلى قدر كبير وعميق من البُؤْس السيكولوجي الذي يمر به الشخص.

بالتأكيد، ليس كُلّ محبي التسوق يعانون من هذا، لكنها حالة شائعة بينهم. قد يكون الافتقار إلى الحب أو الإحباط أو مجرد أن جانب واحد من جوانب حياة الشخص غير مكتمل على نحو مرض له.

حيث يشعر بعض الناس بأنهم فارغون معنويا من الداخل وشراء الملابس أو الانغماس في أي نوع من أنواع الاستهلاك يجعلهم ببساطة يشعرون بتحسن نفسي كبير. ولكن تضميد الجراح بهذا الشكل لا يُسكّن الألم إلا لبضعة أيام أو أسابيع على الأكثر ويعود ذلك التَوْق للبحث عن الجديد والمُثير.

من المهم جدا تحديد السبب أو مجموعة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء كل قرار تتخذه لاقتناء المزيد وتفكر في حل المشكلة التي تزعجك كثيرًا أو التعامل مع الموقف الذي يقضّ مضجعك عوض الحصول على الجينز الأحدث الذي تجده في H&M.

وإذا لم تتمكن من العثور على طريقة للقيام بذلك بنجاح، فابذل قصارى جهدك للتحكم في رغباتك في الشراء بحيث يكون لديك ما يكفي من المال لكل شيء آخر.

 القواعد الأساسية في اعادة تدوير الملابس

واحدة من أنجع الطرق للحصول على قطع ألبسة جديدة دون تعريض ميزانيتك للخطر هي اعادة تدوير الملابس التي تملك بالفعل، كما أنك ستقوم بدور ليس بالهيّن في التقليل من مُخلّفات الملابس التي تحتاج إلى أربعون عاما لتتحّلل وبعضها أكثر حسب طبيعة المواد المصنوعة منها.

ولأن معظم الأقمشة تصنع من الأصباغ والمواد الكيميائية فجميعها لها آثار ضارة بالبيئة ويمكن أن تلوث التربة والمياه.

لحسن الحظ، هناك وفرة من الطرق المبتكرة لتتعلم كيفية تدوير الملابس دون الحاجة إلى التخلص منها بشكل مطلق في مكب النفايات -فيما يلي اخترنا لك ثلاث طرق رئيسية يمكنك من خلالها إعطاء ملابسك حياة ثانية وإحداث تأثير إيجابي في حياتك وبِيئَتك.

1. أقم حفل مبيعات أو تبرّع بشكل مباشر:

نفس قطع اللباس التي نرى أنها لم تعد صالحة للاستعمال قد تَصلح لإدخال بعض الفرحة على طفل صغير في العيد أو تُدفئ جسد آخر في مخيم للاجئين. ليس عليك أن تبحث بعيدًا لأنك دائما ستجد أشخاص معوزين في أمس الحاجة لأشيائك القديمة، سواء قاموا ببيعها أو استخدامها شخصيا هذا يعني أنه تمت إعادة تدويرها. وإذا كنت ترى أنك تمتلك أشياء ثمينة ولكن لم تعد تمثل أي قيمة معنوية في فضاء منزلك، يمكنك إقامة حفل مبيعات في مرآبك مثلا وعرض أغراضك على الجيران والمقربين. العائدات  ستشكل موردا ماليًا لك أو يمكنك التبرع بها للمؤسسات الخيرية أو لأشخاص محتاجين.

2. تبادل مع أصدقائك وأفراد عائلتك:

ليس هناك ما هو أكثر متعة من دعوة أحباءك لشرب الشاي وتبادل قطع ملابسكم القديمة! سيتعين عليك معرفة رأيهم أولا، ثم اطلب من كل واحد منهم إحضار ما لا يقل عن 5-10 قطع لم يعد يرتديها والتي لاتزال في حالة جيدة، يمكنك مشاركة صور ملابسك معهم مسبقا حتى يتسنى لهم جلب قطع من نفس النوعية ويشعروا بحماس وترقب قبيل حفلة التبادل.

3. حول ملابسك القديمة إلى أخرى جديدة بنفسك:

سواء كان لحاف أو كيس بقالة، يمكنك بسهولة تحويل قمصانك القديمة مثلا إلى سجادة، بساط أو فرش عن طريق الحياكة أو النسج. يمكنك أيضا الحصول على قطع جديدة ومبتكرة إذا كنت من محبي المشاريع الحرفية المنزلية فستجد ضالتك في الكثير من الأفكار المميزة لاعادة تدوير الملابس بشكل جذاب وأنيق وخلق أجمل القطع التي لم تكن تتخيلها. في هذه الحالة قد تستفيد كثيرا من ورشة خياطة حتى تتقن جميع المهارات من أجل إعادة إحياء ملابسك التي تحب.

تسوق مستدام ومشاريع اعادة تدوير الملابس هو الحل

ينتج عن صناعة الأزياء تلوثا كبيرا يؤثر بشكل سلبي جدا على تغير المناخ، رغم أن تقنيات وتكنولوجيا اعادة تدوير الملابس ذاهبة في تقدم مستمر،وعي الأفراد أنفسهم ضرورية بشكل ملح.

فمن خلال التسوق المستدام الذي يجعل من المستهلك واع باحتياجاته الحقيقية من الملابس يمكن أن يساعد في التقليل من الأضرار عن طريق اختيار ماركات الملابس التي تدوم لفترة أطول والتي تظهر التزاما في خط إنتاجها بإعادة جمع قطع الألبسة بهدف تدويرها.

أعلنت شركات كبرى مؤخرا من بينها Zara عن نيتها في الانطلاق في مبادرات اعادة تدوير الملابس داخل متاجرها مما يعني أنه يمكن للعملاء ترك القطع غير المرغوب فيها في صناديق مخصصة لذاك في حين حددت شركة   Adidas سنة 2020 كبداية لتنفيذ برنامج جمع القطع القديمة.

إن محاولة تجديد خزانة الملابس كل بضعة أسابيع لن يجلب السعادة إلى أحد بل أثبتت الدراسات أنه قد يجعلنا نشعر بالفراغ والسطحية، شراء ملابس أقل لن يساعد البيئة فقط بل سيعزز صحتنا النفسية كمستهلكين واعين.

كما سيمنحنا فرصة إضفاء بعض التغيير والتشويق من خلال مشاريع حرفية مبدعة في اعادة تدوير الملابس. وهو ما ندعوكم إلى ترقبه في مقالاتنا القادمة عن أكثر الأفكار جاذبية وتميز لتحويل قطع أقمشتكم وملابسكم إلى أشياء جديدة وممتعة.

زهرة غماني

كاتبة ومدونة ومسؤولة قسم دوَّرها في موقع Fixaha.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *